header

محكمة الغربان: عدالة غريزية أم انتقام جَماعي؟

فريق الإعداد

في عالم الطيور، تتكرر المشاهد التي تُدهشنا بذكاء الكائنات وسلوكياتها الاجتماعية المعقدة،

لكن قلّما نجد ظاهرة تُثير من التساؤلات كما تفعل “محكمة الغربان”

تصرّف جَماعي غريب يُشبه مُحاكمة عَلَنية،

دفع العلماء إلى إعادة التفكير في مفهوم “العدالة” لدى الكائنات غير البشرية

تبدأ القصة حين يصدر عن أحد الغربان سلوك يُعدّ غير مقبول ضمن المجموعة: اعتداء على فرد آخر، مخالفة لقواعد البحث عن الطعام، أو سلوك يُهدد تماسك السرب. عندها، لا يمرّ الأمر مرور الكرام. تتجمع مجموعة من الغربان حول هذا الفرد، تطلق صرخات مدوّية، وتُحاصره كما لو كانت في جلسة محاسبة. في بعض الحالات، تُكتفى بالعزل أو الطرد من المجموعة. لكن في حالات نادرة وموثّقة، قد تنتهي المحاكمة بـهجوم جماعي يُفضي إلى موت الغراب المخالف.

هذا السلوك الجماعي يثير تساؤلات علمية عميقة: هل نحن أمام شكل بدائي من العدالة الاجتماعية؟ أم أن الأمر لا يتجاوز كونه رد فعل غرائزي مدفوع بالحفاظ على التوازن؟

وفقًا لأبحاث سلوك الحيوان (Ethology)، تميل النظريات الحديثة إلى تفسير هذه الظاهرة كآلية فطرية لتنظيم السلوك الجماعي وضمان استقرار المجموعة. الغربان ليست مجرد طيور ذكية – بل تُظهر مستوى من الإدراك الاجتماعي يُقارب ما يُلاحظ لدى بعض الثدييات الكبيرة:

  • تستطيع التعرّف على وجوه البشر، وتخزين الذكريات لسنوات
  • تُظهر سلوكًا حذرًا تجاه من أساء إليها في الماضي
  • تخبئ طعامها بطرق معقدة لتجنّب السرقة
  • تُوظّف أدوات بسيطة لحلّ المشكلات
  • تُغيّر من سلوكها إذا شعرت بأنها مراقَبة
  • وتُصدر نداءات متنوعة حسب نوع التهديد أو الهدف

من هذا المنظور، فإن ما يُسمى بـ”محكمة الغربان” لا يُعدّ سلوكًا عشوائيًا، بل قمة في التنظيم الاجتماعي القائم على المراقبة والمحاسبة. في بيئة تعتمد فيها الكائنات على التنسيق والتكافل، يصبح ضبط السلوك الفردي ضرورة بقاء.

لكن رغم التقدّم في دراسة هذه الظاهرة، لا تزال هناك فجوة في الفهم: هل هذه السلوكيات نابعة من دافع تطوّري يُشبه فكرة “العدالة الفطرية”؟ أم أن الغربان تُمارس شكلاً من الثأر، مبنيًا على ذاكرة الأذى والانفعال الجماعي؟

ربما تحمل الإجابة عناصر من كلا الاتجاهين. وربما تكون مفاهيم مثل “العقوبة” و”المحاسبة” أكثر شيوعًا في مملكة الحيوان مما نعتقد. ففي النهاية، يبدو أن للغربان نظامًا… وإن لم يكن مكتوبًا.

مقالات ذات صله