في أعماق المحيطات، يعيش أحد أكثر الكائنات البحرية غرابةً ودهشةً
الأخطبوط، الرخويّ المنتمي لطائفة Cephalopoda
والذي يُصنّف كأذكى اللافقاريّات على كوكب الأرض
بجسدٍ مرن، وثمانية أذرعٍ مُفعمة بالحساسية، وثلاثة قلوب، ودمٍ أزرق غنيّ بالنحاس
يقدّم هذا الكائن نموذجًا فريدًا للذكاء البيولوجي والتكيّف التطوري
عقل موزّع وذكاء فطري
يحتوي الأخطبوط على أكثر من 500 مليون خلية عصبية، 60٪ منها تتوزع في أذرعه، ما يمنحه قدرة مدهشة على التحكّم المستقل بكل طرف. وقد كشفت التجارب السلوكية عن براعة الأخطبوط في حلّ المتاهات، وفتح العلب المعقدة، والتعرّف إلى الأشكال، وتذكّر المواقف. كما رُصدت سلوكيات يُصنّفها علماء السلوك على أنها “لعب” – كتحريك الأجسام دون هدف مباشر – وهو سلوك نادر الظهور خارج نطاق الثدييات والطيور.
سيّد التنكّر في عالم البحار
الأخطبوط هو بلا منازع أحد أبرع الكائنات في التمويه. بفضل خلايا صبغية متخصصة تُدعى chromatophores، يستطيع تغيير لون بشرته وملمسها خلال أجزاء من الثانية. يستخدم هذا التمويه المذهل لمحاكاة البيئة المحيطة أو تقليد كائنات بحرية أخرى. وعند الشعور بالخطر، يُطلق سحابة من الحبر الداكن لتضليل المفترس وفتح طريق للهروب.
نهاية درامية بعد الزواج
لعلّ أكثر ما يثير الدهشة في حياة الأخطبوط هو مسار تكاثره: فهو لا يتزاوج سوى مرة واحدة في حياته. الذكور تموت بعد فترة وجيزة من التزاوج، أما الأنثى فتبقى تحرس البيض أسابيع طويلة دون أن تتغذّى، إلى أن تضعف وتموت بعد فقسه. وفي بعض الأنواع، وُثّقت حالات تفترس فيها الأنثى الذكر أثناء أو بعد التزاوج، خاصةً في ظروف الضغط أو نقص الغذاء – وهو سلوك نادر، لكنه مُسجّل علميًا.
فريسة رغم الذكاء
رغم قدراته الدفاعية العالية وذكائه الملحوظ، يبقى الأخطبوط عرضةً للافتراس من قبل العديد من الكائنات مثل أسماك القرش، والثعابين البحرية، والدلافين، والطيور البحرية. بل وقد يهاجمه أفراد من جنسه في سياقات تنافسية، خاصةً خلال موسم التزاوج.
تنوع بيولوجي واسع
يوجد ما يزيد عن 300 نوع معروف من الأخطبوط، من أشهرها:
- الأخطبوط الشائع (Octopus vulgaris): واسع الانتشار ويُستخدم في المطبخ العالمي.
- الأخطبوط ذو الحلقات الزرقاء (Blue-ringed octopus): صغير الحجم وشديد السمية.
- أخطبوط المحيط الهادئ العملاق (Giant Pacific octopus): أكبر الأنواع حجمًا، ويعيش في المياه الباردة لشمال المحيط الهادئ.
وجبة بحرية شهية… لكن قابلة للنفاد
يُعتبر الأخطبوط جزءًا رئيسيًا من المأكولات البحرية في العديد من الثقافات، لا سيما في اليابان، كوريا الجنوبية، إسبانيا (حيث يُقدّم كـPulpo a la gallega)، بالإضافة إلى إيطاليا، اليونان، المغرب، وتونس. ويُصاد عادةً باستخدام الشباك أو الفخاخ.
ورغم أن معظم أنواعه لا تُصنّف حالياً كمهددة بالانقراض، إلا أن الإفراط في الصيد وغياب التشريعات في بعض المناطق يُثيران مخاوف بيئية جدّية. كما أن تغيّر المناخ وتراجع المواطن البحرية الطبيعية قد يؤثّران سلبًا على أعداد بعض الأنواع. لذلك، تدعو منظمات مثل Marine Stewardship Council إلى اعتماد أساليب صيد مستدامة تحفظ هذا التوازن الدقيق.