منذ القِدَم شَهدت الإنسانية، ولم تزل، على قصص حُب علقت في ذاكرة الناس.
فمَن لا يعرف جميل وبثينة، مجنون ليلى، عنتر وعبلة والقصص التي تبدأ وتحيا وتبقى رمزًا في قلب كل عاشق.
قصص علقت في أذهاننا هي مثال للحبّ الصادق للتناغم الروحي.. وقصص الميثولوجيا البشرية والأساطير صّورت كيوبيد إله الحب، على أنه أعمى، كرمزية للحبّ الصادق، الخال من كلّ أنواع التزلُّف، ولديه جناحين كجناحَي عصفور، العصافير التي تعرف الحبّ لأنها تعشق الحرية وتعيش الحلم، وتتقِن فنّ الغزل وتعرف الغيرة والوفاء والحزن على فقد الشريك.
فطقوس الغزل لاستمالة الحبيب وكسب العواطف تختلف حسب كلّ نوع.
فقد أطلق تسمية طيور الحب على بعضهم لأن معرفة جنس العصفور نفسه تتمّ من خلال تودُّد الذكر للأنثى واقترابه منها. وهي تبقى خجولة واقفة مكانها بحالة سكون.
على عكس بعض الطيور حيث تقوم الأنثى بتفحُّص جسد وريش شريكها لمعرفة إن كان لديه نوع من الطُّفيليات والأمراض، ومن بعدها يقوم الذكر بالرقص وأداء عروض مسرحية أمامها، ليُريها مدى قوّته، فإذا أعجبها، أخذت هديته كعلامة لقبول الزواج به.
وبعض الطيور يعبّر عن حبّه لشريكته، بجلب قشّة لمساعدتها ببناء العش. وليس كلّ الطيور تتآلف بسرعة فهي تبقى منزوية وفي فصل الشتاء تبدأ بالتغريد، كنوع من الغزل والإغراء لجذب الآخر، ومنهم من يقوم بمشاهد استعراض مثيرة، كالطاووس الذكر عندما يقع في الحب يستعرض قوّة عضلاته فيفترش ذيله الملون ويفتحه على شكل مروحة ليلفت انتباه الأنثى.
وأكثر الأمور غرابة في عالم الطيور، أنه قد يؤدي الانفصال عن الشريك إلى معاناة كبيرة كالببغاء الوفية التي تنقطع عن الطعام لتصبح في حالة ضعف شديد يؤدي بها إلى الموت.
ونقّار الخشب المهدّد بالانقراض يشتهر بوفائه لأُنثاه، فهو يبني لها عشًّا بحفرة في الشجرة التي توافق عليها ويتشارك معها في بناء هذا العش.
النورس من الطيور البحرية المتميزة بذكائها ولديها قدرة على التعلم وعلى سبيل المثال يقوم بالدق على التربة ليخدع الديدان، فتظن أن المطر سيهطل. زواجها يدوم مدى الحياة، ولا تبحث عن شريك آخر إلاّ في حالة وفاة الزوج.
والغيرة أيضًا من نصيب بعض الطيور، كطائر اللقلق، الذي يذكر في العديد من الميثولوجيا والثقافات، بأنه جالب للحظ ورمز للأمومة. لكنه غيّور وغيرته قاتلة، لا يقبل أبدًا أن يقترب طائر آخر من شريكه، وإن اكتشف الخيانة الزوجية قام بمهاجمة شريكه ومعاقبته حتى الموت..
أيها القارئ!! هل فكَّرت يومًا وأنت تصطاد العصافير بفصل التزاوج، أنّك ربّما تكون قتلت قلب عصفور عاشق كعصفور الجاوا الذكر (Java sparrow) الذي يتميّز بصوته العذب وبحنانه تجاه أُنثاه فيصدر ألحانًا عذبة تساعد الأُنثى على الاسترخاء أثناء احتضانها للبيض.
هل فكرت عزيزي الصيّاد/القوّاص وأنت تمارس هواية الصيد بأنك رُبَّما تقتل أُمًّا تركت أطفالها لتقتاد لهم الطعام..
الله خلق لنا نعمة النطق للتعبير بكل اللهجات عن الحبّ، ووهب الحيوانات قلبًا لا يعرف إلاّ الحبّ.
مديرة التحرير
رجاء نيقولاس