header

خوسيه أورتيغا إي غاسيت: فيلسوف الصيد وصيّاد المعنى

إعداد: أدونيس الخطيب

في زمنٍ يختلط فيه الصيد بالاستعراض، ويُمارس في بعض الأحيان كرياضة مجرّدة من الروح، يقف فيلسوف إسباني ليقول لنا:

الصيد ليس سلوكًا ضد الطبيعة، بل هو محاولة للدخول في صميمها.”

هذا الفيلسوف هو خوسيه أورتيغا إي غاسيت (1883–1955)، أحد أبرز المفكرين الإسبان في القرن العشرين، الذي كتب كتابًا فريدًا عنوانه: تأملات في الصيد-Meditations on Hunting“.

وهو ليس كتابًا تقنيًا للصيادين، بل تأملٌ وجوديّ في العلاقة العميقة بين الإنسان والطبيعة من خلال فعل الصيد.

يرى أورتيغا أن الصيد ليس مجرّد مطاردة للطريدة، بل تجربةٌ فلسفية كاملة تختبر فيها النفس حدودها، وتتعلم الصبر، وتُعيد اكتشاف قوانين الحياة في البرّية.

كتب يقول: الصيد طريقةٌ للوجود أكثر مما هو طريقة للعيش.”

في نظره، الصيّاد الحقيقي لا يصطاد من أجل القتل، بل من أجل ملاحظة الحياة حين تكون على أشدّها توترًا بين النجاة والفناء.

اقتباسات من “تأملات في الصيد”

1 . “لا يصطاد الإنسان ليقتل، بل يقتل لأنه اصطاد.”

“One does not hunt in order to kill; on the contrary, one kills in order to have hunted.”

هنا يُفرّق أورتيغا بين القوّاص والباحث عن المعنى. فالقتل هو نهاية فعل الصيد، لا غايته.

2 . “الصيد رياضة العزلة، والصمت، والحضور الكامل.”

“Hunting is a sport of solitude, silence, and presence.”

إنه فعلٌ يتطلب الانتباه العميق، لا التشويش. ولعلّ في هذا الاقتباس نقدٌ مبطّن للصيد الجماعي الصاخب الذي يفقد الصيد بُعده التأمّلي.

3. “الصيّاد ليس من يُطلق النار، بل من يصير جزءًا من الطبيعة ليُسمح له بالوجود فيها.”

“The hunter is not the one who shoots, but the one who becomes nature to be accepted by it.”

الصيد هنا ليس غزواً، بل دعوة للدخول في كيان الطبيعة، حيث لا تُعطى الفرائس إلا لمن يستحق.

كتاب أورتيغا لم يكن فقط عن الصيد، بل عن الفكر والهوية والإنسان الحديث.

هو يضع الصيد كأداة لقياس مدى انفصال الإنسان عن جذوره الطبيعية، ويُشبه الصيّاد العارف بالموسيقي الذي لا يعزف للضوضاء، بل للانسجام مع الكون.

هل أورتيغا صيّاد فعلاً؟

نعم، كان صيادًا بالفِكر والميدان. مارس الصيد في الريف الإسباني، وكان يراه ضرورةً لا للبقاء فقط… بل للتوازن الداخلي.

وقد سبقه في هذا الطرح الفيلسوف الفرنسي مونتيني، وتبعه مفكرون كُثُر، لكن أورتيغا يبقى الأكثر عمقًا وتأملًا.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *