منذ أكثر من مليونَي سنة، والصقر يحلّق فوق الأرض كأحد أقدم الطيور الجارحة التي عرفها التاريخ. لا يُعرف فقط بعراقته، بل بما يمثّله من قوة، دقة، وارتباط عميق بثقافات وشعوب عديدة حول العالم. فهو ليس مجرد طائر، بل كائن تكيف مع البيئات القاسية، واحتفظ بقدرات فريدة جعلته في قمة السلسلة الغذائية.
ينتمي الصقر إلى فصيلة Falconidae، ويتميّز ببصر حاد يصل إلى ثمانية أضعاف بصر الإنسان، وقدرة طيران استثنائية. يُعد صقر الشاهين أسرع كائن حي على وجه الأرض، إذ تصل سرعته أثناء الانقضاض إلى أكثر من 320 كيلومترًا في الساعة. إلى جانبه، يُعرف الصقر الحر بقوته وهيبته، بينما يتميّز الوكري بسهولة تدريبه، ويُعتبر الجير الأضخم والأكثر تأقلماً مع البيئات الباردة.
عبر التاريخ، شكّل الصقر جزءًا مهمًا من التراث الثقافي لدى العديد من الشعوب. ففي الجزيرة العربية، اعتُبر رفيق الصيادين في الصحارى، ورمزًا للفخر والانتماء. أما في الإمارات العربية المتحدة، فقد تجاوز الصقر رمزيته ليصبح جزءًا من الهوية الوطنية. فبادرت الدولة إلى تسجيل الصقارة ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية في منظمة اليونسكو عام 2010، وأسّست مستشفى أبوظبي للصقور، الذي يُعدّ الأكبر من نوعه في العالم ويقدّم الرعاية لعشرات الآلاف من الطيور سنويًا، إلى جانب دوره في التوعية والحفاظ على هذا الإرث. كما تنظم الإمارات معارض دولية للصيد والفروسية تكرّس مكانة الصقر كرمز تراثي حي.
في بيئته الطبيعية، يسهم الصقر في الحفاظ على التوازن البيئي من خلال افتراسه لأنواع مثل الحمام البري، الزرزور، والأرانب، ما يحد من تكاثرها المفرط. ومع ذلك، يواجه الصقر تهديدات متزايدة بسبب فقدان المواطن الطبيعية، والتسمم الناتج عن المبيدات، والتغير المناخي، إضافة إلى الصيد الجائر والاتجار غير المشروع. رغم أنه يمتلك أعداء طبيعيين كالبوم الكبيرة والنسور، إلا أن الخطر الأكبر عليه اليوم مصدره الأنشطة البشرية غير المستدامة.
حماية الصقر لا تعني فقط حماية نوعٍ واحد، بل حماية منظومة بيئية بأكملها، وثقافةٍ ممتدة في عمق التاريخ. إنه أكثر من طائر صيد، إنه مرآةٌ لتوازن الطبيعة، ومؤشرٌ حيوي لصحة النظم البيئية، وكنز تراثي حي يستحق الاحترام والرعاية.