بين الأراضي الرطبة والمروج العشبية التي يحتضنها سهل البقاع، يحطّ الزقزاق الشمالي (Northern Lapwing) رحاله شتاءً، كواحدٍ من أبرز الطيور المهاجرة التي تعبر سماء لبنان وتثري تنوّعه البيئي.
ينتمي الزقزاق الشمالي إلى عائلة الزقزاقيّات، ويتوزّع في مواطنه الأصلية عبر معظم أنحاء أوروبا وآسيا، قبل أن يشدّ الرحال جنوبًا في فصل الشتاء نحو شمال إفريقيا والشرق الأوسط، حيث يجد في البقاع اللبناني ملاذًا طبيعيًا.
يبلغ طوله ما بين 28 و31 سنتيمترًا، فيما تمتدّ جناحاه إلى ما يقارب 67–72 سنتيمترًا. يتميز برشاقة قامته وتناقض ريشه بين الأبيض والأسود اللامع، وتعلو رأسه قنبرة رفيعة متمايلة، تضفي عليه وقارًا وجمالًا لا يُخطَآن. أمّا الجزء العلوي من جسمه، فيتلألأ بأخضر داكن مائل إلى الأسود، بينما يظلّ بطنه أبيض ناصعًا.
يتغذّى الزقزاق على الحشرات والديدان والرخويات التي يعثر عليها في التربة الرطبة، مستخدمًا منقاره الدقيق وحواسه الحادة لاصطياد اللافقاريات. هذه العادة الغذائية تمنحه دورًا بيئيًا بالغ الأهمية، إذ يساعد في ضبط أعداد الحشرات الزراعية ويُسهم في تهوية التربة عبر نبشها خلال بحثه النشط عن الطعام.
وفي موسم التكاثر، الذي يحلّ مع الربيع، يُنشئ الزوجان عشًّا بسيطًا على الأرض، غالبًا في مناطق منبسطة قريبة من المسطحات المائية. تضع الأنثى ثلاث إلى أربع بيضات، وتحتضنها لما يقارب 24–28 يومًا. ومع أن الفراخ قادرة على مغادرة العش سريعًا بعد الفقس، إلا أنها تبقى في كنف الأبوين لبضعة أسابيع، تتعلّم خلالها مهارات البقاء في البرّية.
ويمتاز الزقزاق بسلوك دفاعي ذكي، إذ يتظاهر بالإصابة عبر طيران متماوج ومترنّح، ليغري المفترسات بملاحقته بعيدًا عن العش، فيخدعها بتمثيلية مدروسة تنقذ صغاره من الخطر.
غير أن هذا الطائر الجميل يواجه تحديات متزايدة، أبرزها فقدان موائله الطبيعية نتيجة تحويل الأراضي الرطبة إلى مشاريع زراعية أو عمرانية، فضلًا عن التغيّر المناخي والجفاف وتلوّث مصادر المياه. وفي لبنان، يتعرض أيضًا للصيد الجائر، خاصة في الشتاء، حيث يُعرف بين الصيّادين بأسماء محلية شتّى مثل “الطيبط”، “الغنّاج”، و”النّو”.
رغم أن الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) لا يصنّف الزقزاق الشمالي ضمن الطيور المهدّدة عالميًا، إلا أن أعداده تشهد تراجعًا في عدّة مناطق بسبب تقلّص الموائل وتبدّل المناخات، ما يستدعي تكثيف الجهود لحماية هذا الطائر وغيره من الرموز البيئية التي تزخَر بها الطبيعة اللبنانية.