بين النظام والغريزة: حين تُجبر ظروف الطبيعة النحل على كسر قواعده الذهبية
لطالما ارتبطت صورة النحل في المخيلة الإنسانية بالنظام الصارم،
والعمل الجَماعي، والتضحية من أجل الخلية
غير أن هذا المجتمع النموذجي لا يخلو من لحظات فوضى وسلوكيات تُخالف الصورة المثالية
ففي ظروف مُعيّنة، يتحوّل النحل من عاملٍ مُنتج إلى مُهاجمٍ ماكر
يسرق العسل من جيرانه!
يُطلق العلماء مصطلح “النحل السارق” (Robber bees) على العاملات التي تُهاجم خلايا نحل أخرى، خاصة تلك التي تكون ضعيفة أو قليلة الحراسة، بهدف سرقة مخزون العسل. يحدث هذا السلوك عادةً في أوقات الجفاف أو ندرة الأزهار، حين تتراجع مصادر الرحيق في الطبيعة، ويغدو العسل هدفًا ثمينًا يصعب تجاهله.
تبدأ الغارة عندما تصل نحلة سارقة إلى مدخل خلية مُستهدفة. إذا كانت الحراسة ضعيفة أو مُشوشة، تتسلل إلى الداخل، تمتص العسل داخل حوصلتها، ثم تعود إلى خليّتها الأصلية. وفي حالات كثيرة، لا تكتفي النحلة السارقة بغارة واحدة – بل تعود مرارًا، وتُثير برائحتها شهية عاملات أخريات. هكذا قد تتحول السرقة الفردية إلى اجتياح جَماعي يُهدّد بانهيار الخلية الضحية بالكامل.
في المقابل، طوّرت الخلايا المستهدفة آليات دفاع فعّالة: كزيادة عدد الحارسات عند المدخل، أو تضييق فتحة الدخول لتسمح بمرور نحلة واحدة فقط، ما يُسهّل كشف المتسللات. وإذا تم الإمساك بسارقة، قد تواجه هجومًا مُباشرًا، أو تُقتل على الفور داخل الخلية.
ورغم الطابع العدواني الظاهر لهذا السلوك، إلا أنه لا يُعتبر شذوذًا أو انحرافًا بيولوجيًا، بل يُصنّف كأحد استراتيجيات البقاء الطبيعية ضمن مجتمع النحل. فالولاء في هذا العالم ليس للخلايا الأخرى، بل للخلية الأم فقط، وتُحرّك العاملات دوافع كيميائية معقّدة تُترجم إلى استجابات للحرمان أو الخطر.
إن هذا السلوك يكشف جانبًا آخر من تعقيد الأنظمة الحيوية: حيث لا وجود لأخلاقيات بالمعنى البشري، بل لمعادلات دقيقة تحفظ استمرارية النوع. فحتى في أكثر المجتمعات تعاونًا، قد تكون الغريزة أقوى من الانضباط… وقد تبدأ الحياة أحيانًا بسرقة قطرة عسل.
📌 هل تعلم؟
-
يمكن للنحلة السارقة أن تقوم بعشرات الغارات على خلية واحدة في اليوم.
-
الروائح المنبعثة من العسل المسروق قادرة على جذب موجة من السارقين خلال ساعات.
-
بعض النحالين يضطرون إلى إغلاق مداخل الخلايا جزئيًا خلال فترات الجفاف لتقليل الهجمات.