header

حين تبكي الفيلة: سلوك الحداد في أكبر الثدييات البرية

إعداد: جوسلين بوراشد البستاني

“ليست وحدها ذاكرة الفيلة طويلة… بل حزنها أيضًا لا يزول بسهولة”

 في قلب السافانا الأفريقية، وبين ظلال الغابات الآسيوية، تتكرر مشاهد لا تخلو من الوقار والدهشة: مجموعة من الفيلة تحتشد بصمت حول جُثّة فرد من قطيعها، تلامس جسده بخراطيمها بلطف، تقف ساكنة لساعات، ثم تطلق أصواتًا خافتة تشبه الأنين. هذه المشاهد، التي وثّقها علماء السلوك الحيواني مرارًا، تدفعنا إلى طرح سؤال بالغ الإنسانية: هل تحزن الفيلة حقًا على موتاها؟

تشير العديد من الدراسات الميدانية إلى أن الفيلة تُظهر سلوكيات تُفسَّر على أنها علامات واضحة للحزن والحداد، خصوصًا في حالات فقد الأم، القائد، أو الصغار. ومن بين السلوكيات المسجلة:

  • التجمع الصامت حول الجثة
  • لمس العظام أو الجمجمة باستخدام الخرطوم
  • إطلاق أصوات منخفضة تُشبه النحيب
  • البقاء بجانب الجثة لفترات طويلة
  • العودة لاحقًا إلى موقع الوفاة، حتى بعد أيام

ورغم أن الفيلة لا تذرف الدموع بالمعنى الحرفي، إلا أن استجابتها لسلوكيات الفقد تعبّر عن ارتباط عاطفي لافت، يتجاوز الغرائز الأساسية. وقد رُصدت فيلة تمرّ بالقرب من هياكل عظمية قديمة فتتوقف، وتتفاعل معها باهتمام واحترام، ما يوحي بوجود ذاكرة اجتماعية عميقة وربما وعي ضُمني بالفقد.

ليست الفيلة وحدها التي تُظهر هذا النوع من السلوك، فقد سُجِّلت مواقف مماثلة عند أنواع أخرى مثل الدلافين، الغوريلا، وحتى الغربان. لكن يبقى ما يميز الفيلة هو طبيعة الحزن الجماعي والطقسية الظاهرة في تصرفاتها – سلوك يبدو أقرب إلى طقوس الوداع التي تُمارسها المجتمعات البشرية.

من منظور علم الأعصاب والسلوك الحيواني، لا يمكن الجَزم بأن الفيلة تختبر “الحزن” بنفس التجربة الشعورية التي يعيشها البشر، إلا أن أنماط سلوكها تُشير إلى وعي بالغياب وتأثّر بالفقد، بل وربما إدراك للعلاقات الاجتماعية والروابط طويلة الأمد.

قد لا نملك إلى اليوم وسيلة لقياس مشاعر الفيلة بدقة، لكن ما يتكشف لنا من خلال المشاهدة والبحث أن لها ذاكرة مذهلة… وقلوبًا تتذكّر.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *