header

جوع نفسي لـ “ملوك” جهلة

بقلم مدير قسم الصيد البري ماهر الأسطه

تماسيح صغيرة
في سوق شعبي في كنشاسا (عاصمة الكونغو) يرقد اربعة تماسيح من النوع القزم بانتظار مصيرهم المحتوم كطبق لحم على مائدة احد الافارقة.
هذا النوع من التماسيح ذو الاسم العلمي (Osteolaemus tetraspis osborni) هو اصغر انواع التماسيح بالعالم وبنفس الوقت هو أكثرها غموضاً، اذ ان من الصعب جداً على العلماء دراستها بموطنها الاصلي الكائن في عمق أدغال الغابات المطرية الكونغولية.
لقد تألمت كثيراً من رؤية هذا المشهد، لكنني إلتقطت الصور دون ان اتنفس بكلمة إذ انني اعلم ان الذي إصطلد التماسيح هو صياد أباً عن جِد وأنا على يقين أنه لا يعرف وسيلة للحصول على اللحم للغذاء غير اصطياد حيوانات الغابة حيث يعيش.
كيف ألومه على محاولة بيع رزقه بحوالي المائة دولار أميركي للتمساح الواحد بينما معدل معاش الموظف في شركة ببلده هو حوالي الخمسون دولار شهرياً؟ كتت مجبراً ان احترم طريقة عيشه التي ورثها عن اجداده، كيف لا وانا لي باع طويل وشغف عظيم بهواية الصيد، مع اختلاف الطريقة والطريدة؟
كلما أفكر بما رأيته بذلك السوق الشعبي بكنشاسا تأخذني افكاري لما رأيته ببلدي العزيز لبنان ولما أراه كل يوم بمجموعات الصيادين على صفحات التواصل الإجتماعي اللبنانية والعربية، حيث نرى يومياً اشخاصاً لديهم “بيريتا” او “بينيلي” ثمنها آلاف الدولارات لا بل أنا أعلم ان لديهم مجموعة كاملة من البواريد يحتفظون بها بخزنات من خشب السنديان ولديهم سيارات دفع رباعي مجهزة بالكامل وغيرها من ادوات الصيد الحديث. نرى هؤلاء الأشخاص يصطادون طيورا هي محمية بجميع بلدان العالم كالكرك او الرهو وينصِّبون انفسهم كملوك الصيد لإصطيادهم هذه الطيور، متناسين أو جاهلين ان بلادهم موقِّعة على اتفاقية (AEWA) للمحافظة على طيور الماء المهاجرة عبر أوراسيا وأفريقيا التي تشمل هذه الطيور . المؤسف هو انه عند مناقشتهم بضرورة الحفاظ على هذه الطيور يجاوبونك بأن هذه الطيور “لحمها يؤكل”. مع كل حداثة عدتهم هم يلتزمون بمنطق خشبي أعوج ينص على أن كل شئ يؤكَل مسموح إبادته عن وجه الأرض…
أصدقائي، إن الفقر ليس فقط فقر الجيوب، بل إن الأسوأ هو فقر العقول!
مع العلم لو أن هؤلاء الصيادين استعملوا عدتهم لإصطياد طيور مسموح صيدها بموسمها وبكميات محدودة كالحجل أو دجاج الأرض، لرفعنا لهم القبعة تحية لملوك الصيد.

مقالات ذات صله